الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وأما {مُرْسَاهَا} ففيه ثلاثة أقاويل:أحدها: قيامها، قالها السدي.والثاني: منتهاها، قاله ابن عباس.والثالث: ظهورها، قاله الأخفش.{قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّيِ لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ} لا يعلم وقتها إلا هو، نفيًا أن يعلمها غير الله: {ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} فيه ثلاثة تأويلات:أحدها: كبر على أهل السموات والأرض مجيء الساعة، قاله الحسن.والثاني: ثقل عليهم قيام الساعة، قاله السدي.والثالث: معناه عظم وصفها على أهل السموات والأرض، قاله ابن جريج.{لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً} يعني على غفلة لأنه لا يعلمها غير الله، ولم ترد الأخبار عنها من جهة الله فصار مجيئها بغتة وذلك أشد لها كما قال الشاعر:وأنكأ شيء حين يفجؤك البغتُ... {يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} فيه تأويلان:أحدهما: معناه عالِمٌ بها، قاله مجاهد، والضحاك، وابن زيد، ومعمر.والثاني: معنى الكلام يسألونك عنها كأن حفي بهم، على التقديم والتأخير، أي كأنك بينك وبينهم مودة توجب برهم، من قوله: {إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم: 46] قاله ابن عباس. اهـ.
قال أبو الفتح وزن {أيان} بفتح الهمزة فَعلان وبكسرها فِعلان، والنون فيهما زائدة، و{مرساها} رفع بالابتداء والخبر، {أيان} ومذهب المبرد أن {مرساها} مرتفع بإضمار فعل ومعناه مثبتها ومنتهاها، مأخوذة من أرسى يرسي، ثم أمر الله عز وجل بالرد إليه والتسليم لعلمه، و{يجليها} معناه يظهرها والجلاء البينة الشهود وهو مراد زهير بقوله: [الوافر]. وقوله: {ثقلت في السماوات والأرض} قال السدي ومعمر عن بعض أهل التأويل: معناه ثقل أن تعلم ويوقف على حقيقة وقتها، قال الحسن بن أبي الحسن معناه ثقلت هيئتها والفزع منها على أهل السماوات والأرض، كما تقول خيف العدو في بلد كذا وكذا، وقال قتادة وابن جريج: معناه ثقلت على السماوات والأرض أنفسها لتفطر السماوات وتبدل الأرض ونسف الجبال، ثم أخبر تعالى خبرًا يدخل فيه الكل أنها لا تأتي إلا بغتة أي فجأة دون أن يتقدم منها علم بوقتها عند أحد من الناس، و{بغتة} مصدر في موضع الحال.وقوله تعالى: {يسألونك كأنك حفيّ عنها} الآية، قال ابن عباس وقتادة ومجاهد: المعنى يسألونك عنها كأنك حفي أي متحف ومهتبل، وهذا ينحو إلى ما قالت قريش إنّا قرابتك فأخبرنا، وقال مجاهد أيضًا والضحاك وابن زيد: معناه كأنك حفي في المسألة عنها والاشتغال بها حتى حصلت علمها، وقرأ ابن عباس فيما ذكر أبو حاتم {كأنك حفي بها}، لأن حفي معناه مهتبل مجتهد في السؤال مبالغ في الإقبال على ما يسأل عنه، وقد يجيء {حفي} وصفًا للسؤال ومنه قول الشاعر: [الطويل] ومن المعنى الأول الذي يجيء فيه {حفي} وصفًا لسائل قول الآخر: [الطويل] ثم أمره ثانية بأن يسلم العلم تأكيدًا للأمر وتهممًا به إذ هو من الغيوب الخمسة التي في قوله عز وجل: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث} [لقمان: 34]، وقيل العلم الأول علم قيامها والثاني علم كنهها وحالها، وقوله: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} قال الطبري: معناه لا يعلمون أن هذا الأمر لا يعلمه إلا الله بل يظن أكثرهم أنه مما يعلم البشر. اهـ.
وكانت اليهود تقول للنبيّ صلى الله عليه وسلم: إن كنت نبيًا فأخبرنا عن الساعة متى تقوم.وروي أن المشركين قالوا ذلك لفرط الإنكار.و{مُرْسَاهَا} في موضع رفع بالابتداء عند سيبويه، والخبر {أيان}.وهو ظرف مبني على الفتح؛ بني لأن فيه معنى الاستفهام.و{مُرْسَاهَا} بضم الميم، من أرساها الله، أي أثبتها، أي متى مُثْبَتُها، أي متى وقوعها.وبفتح الميم من رَسَتْ، أي ثبتت ووقفت؛ ومنه {وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ} [سبأ: 13].قال قتادة: أي ثابتات.{قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي} ابتداء وخبر، أي لم يبينها لأحد؛ حتى يكون العبد أبدًا على حذر {لاَ يُجَلِّيهَا} أي لا يظهرها.{لِوَقْتِهَا} أي في وقتها {إِلاَّ هُوَ}.والتجلِية: إظهار الشيء؛ يقال: جلا لي فلان الخبر إذا أظهره وأوضحه.ومعنى {ثَقُلَتْ فِي السماوات والأرض} خفِي علمها على أهل السموات والأرض.وكل ما خفِي علمه فهو ثقيل على الفؤاد.وقيل: كبر مجيئها على أهل السموات والأرض؛ عن الحسن وغيره.ابن جريج والسدي: عظم وصفها على أهل السموات والأرض.وقال قتادة وغيره: المعنى لا تطيقها السموات والأرض لعظمها: لأن السماء تنشق والنجوم تتناثر والبحار تنضُب.وقيل: المعنى ثقلت المسألة عنها.{لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً} أي فجأة، مصدر في موضع الحال {يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} أي عالم بها كثير السؤال عنها.قال ابن فارس: الحفِيّ العالِم بالشيء.والحفِيّ: المستقصي في السؤال.قال الأعشى: يقال: أحفى في المسألة وفي الطلب، فهو محفٍ وحفِي على التكثير، مثل مخصِب وخصيب.قال محمد ابن يزيد: المعنى يسألونك كأنك حفِي بالمسألة عنها، أي ملحٌّ.يذهب إلى أنه ليس في الكلام تقديم وتأخير.وقال ابن عباس وغيره: هو على التقديم والتأخير، والمعنى: يسألونك عنها كأنك حفِيّ بهم أي حفي ببرهم وفرِح بسؤالهم.وذلك لأنهم قالوا: بيننا وبينك قرابة فأسِرّ إلينا بوقت الساعة.{قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} ليس هذا تكريرًا، ولكن أحد العِلمين لوقوعها والآخر لكنهها. اهـ.
|